الاثنين، 21 مايو 2018

عندمت يبكى الصمت بقلم هدى حجاجى


تعاد تشتكي بلقاء الأوراق علي مدي ربع قرن عشناها معا علي الأوراق وبين السطور وبرغم من انه كان اللقاء فريدا أو متفرداً لقاءاً ضجيجه الصمت وثرثرته النظرات وصراخه الهمسات ورغبته الاحتضان فالتوحد فالذوبان فالتلاشي  ولا تسألني عمن أحببت هل هو خلال تلك السنوات الماضية هل هو والدك أم لا أن الإجابة معروفة فالسجين لا يعشق سجانه ولكن فقط يخاف منه ويسعي إلي إرضاءه ولكنه لا يحبه  وقد كان بيني وبين والدك عشرين عاماً لم يتم زواجنا عن حب أو اختيار مني كلا لقد نشأت وسط عائلة تتفنن في وأد الحب وقتل الاختيار النساء لأزواجهن  كأن الحب وصمة عاراً والاختيار رزيلة  لقد كان علينا السمع والطاعة  وكان عليهم الأمر بلا شفاعة كأننا كائنات ولدت لتستعبد أو ولدت لتموت وسط ركام التقاليد الزائفة والعادات الظالمة المجحفه
لقد اختاروا لي زوجي بعد أن بتروا لساني بسكين الخوف فلم أمانع لقد كان الخوف الحبل السري الذي يربطني بكل من حولي لقد حكم علي المجتمع أن أظل سجينة لقضبانه مدي الحياة  أن حياتي لم تكن سوي سجناً لا يتغير فيه إلا السجان لقد انتقلت ( النوبتجية ) من أبي إلي زوجي ومن زوجي إلي ابني القاسي الذي ورث كل رزالات والدة ومعتقداته وعجرفته
هل يغضبكٍ أن اصف والدكٍ الراحل بالرزيلة والصلافة والقسوة ؟ لقد كان كذلك بالفعل فاعذري يا ابنتي صراحتى وصدقي واسمحي لي أن أحدثك للمرة الأولي بما اختزنته طويلا في حوصلة الصمت والخوف والمرارة لقد كان والدكٍ يعاملني كجارية أهداها له والدي  جارية لها حق في الطعام الشراب والهواء ولا حق لها في سواهم لقد جردني والدك من أدميتي فحولني إلي آلة تطيع بلا تفكير وتضحك بلا فرحة وتعيش بلا رغبة حتى الحزن المقدس حرمني منه كلما رآني في خلوتي
احاول استحلاب البكاء لقد علمني البكاء بعيون جافة تشتاق إلي الدموع ولا تقدر عليها وحينما مات والدك لم اصدق ذلك وكيف يشعر المسجون برحيل سجانه إلا إذا كان القيد مازال ملتف حول عنقه . لقد تركني جارية جُلبت علي الاستعباد والطاعة العمياء رحل الزوج فأكمل الابن الرسالة وحصل الابن علي سلطات السيد الوالد واخذ يمارسها علي امة وشقيقته اخذ يمارسها عليّ وعليكي فستيقظي من غفلتك الضعيفه وتعالي نبكي سوياً فنحن معشر النساء ليس لنا سوي البكاء 
أنا أحب هذا الأديب الكبير منذ ربع قرناً وأبادله الخطابات منذ خمسة وعشرين عاماً بلا فتوراً بلا ملل  هل يكون ذلك عبثاً لا يهم فانا سعيدة بهذا العبث
ثم إذا كان كل شئ في الحياة عبثا فما ضرنا لو عبثنا قليلاً ؟ فلا تغضبي من هذا الحب فلقد تعبت من محادثة نفسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أقرا ايضا