الأربعاء، 28 أغسطس 2019

بعض ماتعلمته من الحياه بقلم جيلان حسن إسماعيل

- قليل من الكلام يكفي وكثير من الصمت يوفي..

- اعتقدت يوما ان للشر حدود ....كم كان وقتها عقلي محدود!

_كل التجارب التي رئيتها سيئه يوما ستتذكرها بعد

اعوام وستقول لنفسك كم تعلمت وكم انضجتني

_الحياه معقده لكنك تستطيع ان تعيشها بطريقه
بسيطه

_الوضوح اكثر صفه رائعه ربما تجعل الاخرين يعشقون عيوبك الناس متعبه وتبحث عن المريح وليس الاجمل

_لا تحمل كل المواقف والكلمات على عاتقك بل انظر الي الدنيا كمشاهد وعش الواقع كبطل

_لا تترك للاخرين مساحه لاختراق حدودك

_في العلاقات كن دائما في المنتصف المريح وفي العمل كن دائما في المقدمه وفي الحياه كن كعابر سبيل

_اسوء الناس احقدهم

_لا توجد قواعد ثابته في هذه الحياه

_البشر انواع فمنفضلك تقبل الفكره

_مع الوقت والمواقف ستتعلم الاكتفاء

_كن لنفسك صديق وفي وقاض عادل

_احتفظ دائما ببعض الاسرار لنفسك فهو حق لك ولكن لا تكذب
_لن يتبعك الا من يؤمن بمبادئك ..

_اياك والغرور فهو مقبره الضمير

_ لا تعمل مع من لا تثق بأخلاقه مهما كان العائد

_كلما كبرنا كلما احتاجنا الي الامان

_كل ما تفقده في الصغر ستبحث عنه في الكبر

_ابتعد من المتطفلين والوصولين مهما كانت حاجتك

_استرخي كل يوم ساعه عالاقل ولا تفكر في شيء تأمل فقط.

الاثنين، 26 أغسطس 2019

الدراما تورج وإبداع الفنان


المسرح بطوله وعرضه وعمقه ومداه التاريخي الطويل لا يمكن الحديث عنه فهو أبو الفنون وأوله على اختلاف أشكاله وأنماطه هو فنّ من الفنون التعبيريّة التي أوجدها الإنسان منذ قديم الزمان، ويصعب تحديد مكان النشأة الحقيقيّة الأولى للمسرح وزمنها؛
ثم تدرج الحال ونحن في الألفية الثالثة حيث بدأ كل شيء يأخذ اتجاهً مغايراً يتلاءم مع التطور الحضاري والتكنولوجي الذى حدث في العصر الحديث وابتكار أحدث الأساليب والتقنيات المستخدمة لازدهار المسرح.
وإذا كانت العلاقة الملتبسة بين المثقف والفنان هي الواقعية في مشروع الإنسان  والتجريب الذي يقدم تغييرا جذريا إنسانيا وعلميا وعمليا يعكس ا لخيال إلى حقيقة ونقل ما وراء الواقع إلى الواقع في عصر الثقافة المعلوماتية عبر السماوات المفتوحة وإذا كان المثقف يملك قدرًا من الثقافة التي تؤهله لقدرٍ من النظرة الشمولية وقدرٍ من الالتزام الفكري والسياسي تجاه مجتمعه وهو يبدع كل يوم هل استطاع  بهذا الإبداع الثقافي أن يفصل بين تهذيبات القول وتجليات الفكر بين الثقافة وعدم الثقافة حين  يخرج علينا الفنان في  منظر نصف مغلق يعكس مكاناً مفتوحاً
، يحوي قدرة الابتكار والابداع  على تحويل النص الأدبي إلي رموز بصرية تشكل المخزون البصري لكل مكونات الموروث الثقافي بجوانبه الجمالية والتي تكون أكثر قرباً واتصالا بذائقة الجماهير عاملاً علي الموروث الثقافي  يعزز من القيم  يحكي عن عمق الحضارة والبيئة الفنية، للثقافة المادية بجمال الأشكال والألوان والنسب والملامس
لذا فإن الهوية المصرية تُنقِص العروض المصرية, إلى حد بعيد ، وهذه ليست مشكلة المسرح لكنها مشكلة كتاب المسرح الذين يجب أن يعنوا بالتراث. هناك تراث أدبي وفرعوني ومصري واسلامي ومسيحي وكان يمكن تسليط الضوء على هذه العصور التاريخية لإثراء فكر الجماهير وثقافتها الجامعة .فهذه مشكلة تتعلق بالكتاب وبخطة التعاون مع أولئك الكتاب. لكن الحقيقة بعد موت مسرح الجامعة والمسرح الخاص لمعطيات كثيرة   وفساد الذوق والرأي وهجرة الإنتاج لصناعة السينما لم يتبق للفن المسرحي سوي المسرح القومي ولست معنياً بصدد الحديث حول ذلك فهناك امور يطول شرحها رغم ما يعاني من تحديات كثيرة وصراعاً من القنوات الفضائية التي أصبحت تلبي احتياجات المشاهد في كل المجالات ووسط كل هذه التحديات كان لازماً عودة الملائكة الطائرة في صورة الدراماتورج  المصري  فمنذ ايام فاجأنا الفنان احمد عبد العزيز بعمل مبهر ورائع  ألا وهو افتتاح المهرجان القومي للمسرح المصري والذي هو رئيسه حاملا  كدراماتورج   فوق كتفين اشكالاً مبهرة ً محولاً المؤَلَّف الفني إلى روحه في ابتكار جديد  ثم ترجمته لعرض غايته الدقة والإبهار من إعداد وتوليفه وتقديم قراءة محددة له صنفها الإبداع  وجاءت مواقع التواصل الاجتماعي في بث مباشر  لتخلق حياة موازية للإنسان فمن يكون الفنان  المحترم أحمد عبد العزيز
ولد أحمد عبد العزيز بالإسكندرية، حي محرم بك، حصل على بكالوريوس تجارة، ثم حصل على بكالوريوس معهد الفنون المسرحية، بدايته الفنية كانت من خلال المسرح الجامعي، ثم بدأ العمل في مسرح الطليعة عام 1976 أخرج العديد من المسرحيات في معهد الفنون المسرحية وعلي رأسها عرض ( ميديه )وكان عرضا ناجحاً جداً . تمسك به أساتذته بمعهد الفنون المسرحية ووزير الثقافة  آنذاك نظراً لتفوقه بل و إرساله في بعثات للخارج لاستكمال دراسة الإخراج المسرحي ، حيث أخرج ما يقرب من 20 مسرحية وكانت علي رأس أعماله الهامة بالإخراج المسرحي (مأساة الحلاج) والتي عرضت مرتان ،
اشتهر بالأعمال التليفزيونية الدرامية  واشتهر بأدواره المؤثرة في تاريخ الدراما المصرية. حتى كانت تخلو الشوارع من المارة أثناء عرض مسلسلاته وظل أكثر من 25 عاما نجم مصر الأول بلا منافس وسط نجوم كبيرة كما كان الظهور بجوار أحمد عبد العزيز في مسلسلاته كان بمثابة فرصة ذهبية للفت أنظار المشاهدين.  في ذلك الوقت وكانت أشهر
أعماله التليفزيونية.. ذئاب الجبل، من الذي يحب فاطمه، والمال والبنون وغيرها كثيراً وفي السينما كانت أشهر أعماله.. الوداع بونابرت ،عودة مالطا والطوق والأسورة. واحدث أعماله الأب الروحي وفي رمضان السابق مسلسل كلبش ودور من أروع أدواره .   استحق أن يقدم له مسرحًا يجد فيه نفسه مسرحًا قابلاً للتصديق مسرحًا يمتع ليقنع حتى يؤثر تطهيرًا أو تغييرًا  حيث استطاع كمفكر يؤمن بالظواهر المادية جنبًا إلى جنب مع إيمانه بالغيب   أن نصدق النسب والملامس  واليوم كرئيس للمهرجان استطاع أن يقدم خطوة من الخطوات الإصلاحية للسياسة العامة والدعوة إلي تغيير شكل المسرح والعمل علي ضخ دماء جديدة في الكليشيهات المسرحية الجامدة وإعادة انتاج التراث واكتشاف المواهب الشابة.حيث نادي بإحياء مسارح المدارس والمسرح الجامعي وناشد كل القائمين علي إنشاء المدن الجديدة بأن يكون  مصمماً بها مسرح أو اثنان لترويج الحركة الثقافية والفنية فهي عماد الأمم
صحيح  أن المهرجانات لا تبني مسرحاً لكنها استطاعت أن توطد العلاقة بين الأجيال وأن يكون المهرجان في دورته الحالية الثانية عشر من القامات الشامخة التي أسهمت في نهضة المسرح المصري  منذ خمسينات القرن الماضي وهي دورة الفنان الراحل كرم مطاوع   والذي عرض إبداعات الفنان الراحل من خلال فيلما قصيرا  وعقب العرض فقرة التكريمات للذين ابدعوا فأمتعوا ثم رحلوا عنا بأجسادهم ولكن أرواحهم وإبداعهم وفنهم باقٍ فينا وسيبقي وبحضور معالي  وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم  لتكريم الفنانين الراحلين وبحضور رئيس ومدير المهرجان فتكرم الفنانة القديرة الراحلة محسنة توفيق ويتسلم تكريمها نجلها الأستاذ وائل كما يكرم الفنان القدير الراحل محمود الجندي ويتسلم تكريمه نجله المخرج أحمد الجندي كما يتسلم الفنان شريف نجم تكريم والده الفنان الكبير الراحل محمد نجم كما يكرم المهرجان الراحل الأستاذ فؤاد السيد المدير المالي والإداري للمسرح القومي وتتسلم تكريمه نجلته وتنتهي فقرة الراحلين بتكريم الفنان الكبير فاروق الفيشاوي الذي كان من المكرمين الأحياء لكن القدر لم يمهل المهرجان تكريمه حيا فيكرمه راحلاً ويتسلم تكريمه نجله  ثم عمد  رئيس المهرجان للفقرة التالية عاملا علي تكريم رموز المسرح الأُول الفنانين سميحه ايوب ، ،محمود حميدة، محي اسماعيل ، سهير المرشدي وسمير سيف وعزت العلايلي  ،توفيق عبد الحميد، المخرج المسرحي المتميز محسن حلمي ، وهالة فاخر ، ولطفي لبيب والناقدة الدكتورة هدي وصفي.
وتكريم المبدعين المسرحيين الفنان الكبير يوسف شعبان والكاتب الكبير يسري الجندي والأستاذ عاصم البدوي مدير الإدارة المسرحية بالمسرح القومي والفنان لطفي لبيب والمخرج محسن حلمي والفنانة سوسن بدر والمطرب علي الحجار ودكتور عبدربه  عبدربه أستاذ الديكور بالمعهد العالي للفنون المسرحية والفنان توفيق عبد الحميد والفنانة هالة فاخر والكاتب المسرحي والروائي الفنان السيد حافظ وسط تفاعل الجماهير  وحفاوة الاستقبال  ومسك الختام بالطرب الأصيل  للفنان علي الحجار  ثم بدء مسابقات من خلال
68عرضا مسرحيا تعرض علي 20 خشبة مسرح من مسارح القاهرة الكبرى وذلك غير العروض الموازية خارج المسابقات والتي تعرض علي مسارح المدن والمحافظات خلال فترة المهرجان حيث وصلت القيمة الإجمالية لـ 573 ألف جنيه مصري موزعة على المسابقات الخمس بقيمة تعادل ثلاث اضعاف المسابقات الماضية  مسابقة التأليف المسرحي ومسابقة النقد المسرحي ويصعد علي المسرح كل رئيس لجنة فالمسابقة الاولي يرأسها الفنان والمخرج فهمي الخولي وتضم الناقدة عبلة الرويني والموسيقار هاني شنودة واستاذ الديكور الدكتور نبيل الحلوجي والفنانة سلوي محمد علي والدكتورة لمياء زايد والدكتور الفنان محمود زكي والمسابقة الثانية ترأسها الناقدة الدكتورة سامية حبيب وتضم المخرج اسلام امام والموسيقار هيثم الخميسي والمخرج الدكتور جمال ياقوت والفنان التشكيلي المهندس محمد الغرباوي والكاتب المسرحي والسيناريست أيمن سلامة والناقد عبد الرازق حسين أما المسابقة الثالثة فيرأسها الكاتب الكبير يعقوب الشاروني وتضم الدكتور الفنان محمد عبد المعطي والموسيقار منير الوسيمي والمخرج المسرحي طارق الدويري والفنانة مي عبد النبي
ثم لجنة تحكيم مسابقة التأليف المسرحي " جائزة لينين الرملي " والتي يرأسها الدكتور علاء عبد العزيز وتتألف من المؤلف والمخرج المسرحي نادر صلاح الدين والناقدة والفنانة ليليت فهمي والدكتور حاتم حافظ أستاذ الدراما والنقد بأكاديمية الفنون ، كما يصعد رئيس لجنة تحكيم مسابقة النقد المسرحي " جائزة الدكتور فوزي فهمي " والتي يرأسها الدكتور أسامة أبو طالب والذي يتغيب لسفره وتتكون اللجنة من الناقد الدكتور سيد الامام والدكتور ياسر علام أستاذ الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية .

تحية لكل القائمين علي هذا المهرجان تحية لرئيسه الفنان أحمد عبد العزيز  لهذا الافتتاح المبهر والذي لا يقل نجاحا وابهارا عن مهرجان السينما الذي  اثبت بحريته وبديع قدراته في الإخراج القدرة علي  إعادة رونق المسرح لما يمثله المسرح ذاته من قيم العدالة والحرية والنبل الإنساني، تلك القيم التي تكاد تغيب عن مجتمعنا في الآونة الأخيرة واثبات انه لا يأس أبداً طالما هناك مبدأ نؤمن به ونتحدث به  في الأوقات الصعبة
الف مبارك لمصر  نجاح المهرجان القومي للمسرح
مبارك لرئيس المهرجان الدارماتورج الفنان احمد عبد العزيز
دينا الجندي
محمد عبد العزيز شميس

الجمعة، 16 أغسطس 2019

سن الأربعين بين النظرى والواقع بقلم لميس محمد سوريا

استوقفني التفكير بهذا الرقم الذي يحمل صفرا عن يمينه للمرة الرابعة في حياة الإنسان (40) ومن خلال تصفح هذا الاختراع الذي جاء به السيد مارك وهو  الفيس بوك وجدت العديد من المجموعات حول ( شباب في سن الأربعين )
فلماذا بشكل غير مخطط له اختار رواد الفيس أن يكون لسن الأربعين مجموعات خاصة بهم وكأنها مقهى فكري يجمع الأفراد المنطلقين على متن هذه الرحلة الخاصة
هل سن الأربعين رحلة لركاب من فئة خاصة ..!!

لطالما انتظرت هذا الرقم فمن خلال البدايات في دراسة الأدب العربي وجدت أن هذا السن كان نقطة تحول من الشباب وألقه واندفاعه وشغفه إلى الزهد والورع والتزود للدار الآخرة كالشاعر ابن خفاجة الأندلسي ..
ومثله كان الشاعر أبو فراس الحمداني الذي استنكر على نفسه وقوفها على ديار الحبيبة بعد هذا السن ، فوقف يتحسر على أيام الشباب والغزل التي ولت بعد بلوغه الأربعين فيقول متسائلاً في مطلع قصيدة طويلة يسرد فيها بطولات شبابه مع الحسان:
وقوفك في الديار عليك عارُ .. وقد رد الشباب المستعارُ
أبعد الأربعين محرمات ..    تماد في الصبابة، واغترار؟

وإذا التفتنا إلى أدباء العصر الحديث نجد من الذين وقفوا عند سن الأربعين وقفة المستعد لهزيمة مسبقة في الحياة  فاروق جويدة في مناجاته لأمه:

الطفل يا أماه يسرع نحو درب الأربعين.. أتصدقين؟
ما أرخص الأعمار في سوق السنين!.

وكذلك الشاعر والأديب غازي القصيبي الذي وقف حائراً أمام بوابة الأربعين:

وها أنا ذا أمام الأربعين
يكاد يؤودني حمل السنين
تمر الذكريات رؤى شريط
تلون بالمباهج والشجون
إذا ما غبت في طيف سعيد
هفت عيني إلى طيف حزين
أطالع في المودع من شبابي
كما نظر الغريق إلى السفين
وارتقب الخبء من الأماسي
بذعر الطفل من غده الخؤون
وليست مناجاة الأربعين حكراً

بعد كل هذا التشاؤم والتفكير السلبي تجاه العمر الزمني للإنسان وجدت لمحة مشرقة عند الأديب «عباس العقاد» الذي لخص حاله في الأربعين بكلمات متزنة مقطرة بالحكمة:
«كنت في العشرين كالجالس على المائدة وهو يظن أن أطايب الطعام لا تزال مؤخرة محجوزة لأنه لم يجد أمامه طعاماً يستحق الإقبال.. فهو لهذا يزهد فيما بين يديه ويتشوق لما بعده حتى إذا أشفق أن ينهض جائعاً تناول مما بين يديه باعتدال فأمن الجوع وأمن فوات المقبل الموعود».

ولكن القول الفصل في الحكم على هذا الرقم في عمر الإنسان هو قوله تعالى : (.. حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإنني من المسلمين )
وهو السن الذي اختاره الله تعالى لنبينا محمد ﷺ ليبلغ رسالة السماء إلى الأرض .. فلم القلق من هذا الرقم
ومن الأمثلة المعاصرة أجد الاختراع المدهش لسلسلة مطاعم ماكدونالد قد أسسها صاحبها بعد تقاعده من العمل في حوالي الستين من عمره

فالحياة لا تقاس بالأرقام بل بالخيارات مهما كان عمرنا الزمني
وعن قناعة أقول بأنني منذ عشرين عاما قررت أن يكون عمري هو ثمانية عشر فقط والباقي لن أحسبه .. لأن توالي السنوات لن يكون إضافة إلا بخياراتنا النفسية والاجتماعية والثقافية والعملية.

سن الأربعين بين النظرى والواقع بقلم لميس محمد سوريا

استوقفني التفكير بهذا الرقم الذي يحمل صفرا عن يمينه للمرة الرابعة في حياة الإنسان (40) ومن خلال تصفح هذا الاختراع الذي جاء به السيد مارك وهو  الفيس بوك وجدت العديد من المجموعات حول ( شباب في سن الأربعين )
فلماذا بشكل غير مخطط له اختار رواد الفيس أن يكون لسن الأربعين مجموعات خاصة بهم وكأنها مقهى فكري يجمع الأفراد المنطلقين على متن هذه الرحلة الخاصة
هل سن الأربعين رحلة لركاب من فئة خاصة ..!!

لطالما انتظرت هذا الرقم فمن خلال البدايات في دراسة الأدب العربي وجدت أن هذا السن كان نقطة تحول من الشباب وألقه واندفاعه وشغفه إلى الزهد والورع والتزود للدار الآخرة كالشاعر ابن خفاجة الأندلسي ..
ومثله كان الشاعر أبو فراس الحمداني الذي استنكر على نفسه وقوفها على ديار الحبيبة بعد هذا السن ، فوقف يتحسر على أيام الشباب والغزل التي ولت بعد بلوغه الأربعين فيقول متسائلاً في مطلع قصيدة طويلة يسرد فيها بطولات شبابه مع الحسان:
وقوفك في الديار عليك عارُ .. وقد رد الشباب المستعارُ
أبعد الأربعين محرمات ..    تماد في الصبابة، واغترار؟

وإذا التفتنا إلى أدباء العصر الحديث نجد من الذين وقفوا عند سن الأربعين وقفة المستعد لهزيمة مسبقة في الحياة  فاروق جويدة في مناجاته لأمه:

الطفل يا أماه يسرع نحو درب الأربعين.. أتصدقين؟
ما أرخص الأعمار في سوق السنين!.

وكذلك الشاعر والأديب غازي القصيبي الذي وقف حائراً أمام بوابة الأربعين:

وها أنا ذا أمام الأربعين
يكاد يؤودني حمل السنين
تمر الذكريات رؤى شريط
تلون بالمباهج والشجون
إذا ما غبت في طيف سعيد
هفت عيني إلى طيف حزين
أطالع في المودع من شبابي
كما نظر الغريق إلى السفين
وارتقب الخبء من الأماسي
بذعر الطفل من غده الخؤون
وليست مناجاة الأربعين حكراً

بعد كل هذا التشاؤم والتفكير السلبي تجاه العمر الزمني للإنسان وجدت لمحة مشرقة عند الأديب «عباس العقاد» الذي لخص حاله في الأربعين بكلمات متزنة مقطرة بالحكمة:
«كنت في العشرين كالجالس على المائدة وهو يظن أن أطايب الطعام لا تزال مؤخرة محجوزة لأنه لم يجد أمامه طعاماً يستحق الإقبال.. فهو لهذا يزهد فيما بين يديه ويتشوق لما بعده حتى إذا أشفق أن ينهض جائعاً تناول مما بين يديه باعتدال فأمن الجوع وأمن فوات المقبل الموعود».

ولكن القول الفصل في الحكم على هذا الرقم في عمر الإنسان هو قوله تعالى : (.. حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإنني من المسلمين )
وهو السن الذي اختاره الله تعالى لنبينا محمد ﷺ ليبلغ رسالة السماء إلى الأرض .. فلم القلق من هذا الرقم
ومن الأمثلة المعاصرة أجد الاختراع المدهش لسلسلة مطاعم ماكدونالد قد أسسها صاحبها بعد تقاعده من العمل في حوالي الستين من عمره

فالحياة لا تقاس بالأرقام بل بالخيارات مهما كان عمرنا الزمني
وعن قناعة أقول بأنني منذ عشرين عاما قررت أن يكون عمري هو ثمانية عشر فقط والباقي لن أحسبه .. لأن توالي السنوات لن يكون إضافة إلا بخياراتنا النفسية والاجتماعية والثقافية والعملية.

الأربعاء، 14 أغسطس 2019

أسرى الوهم بقلم لميس محمد سوريا


يتجه الدماغ عند تلقيه لهذا العنوان إلى تفسير معنى كلمة ( وهم ): وهي مخاوف وتخيلات يضخمها اللا وعي عند الإنسان حتى تصبح أمرا مرضيا وأحيانا لا يرجى منه شفاء.
ولكن الدماغ يتجاهل الوقوف عند كلمة ( أسرى )، فلا يبحث عن سبب الأسر ولا الحل للخروج منه، لأن العقل اللا واعي يتعامل مع الوهم باعتباره نشاطا دماغيا منذ الطفولة،  فالرضيع يدخل في نوبات بكاء عندما يشعر بابتعاد أمه عنه متوهما حالة من الخطر المحدق به لو ابتعد عن أمه.
في حين بقيت مفردة ( أسرى ) ضمن المعاني التي يطويها الدماغ ، فلا يبحث عن أسبابها ولا الحلول للخلاص منها؛ وثقافتنا ساندته في هذا الموقف، إذ ظلت في معزل عن الاهتمام بالجانب النفسي طالما أن الإنسان يستطيع أن يدرس وينجح ويمارس عمله في الوظيفة، ويستطيع أن يكون صداقات، ويدخل في علاقة زواج، ولو كانت بائسة، حتى يصبح معتادا على مافيه من خلل في صحته النفسية، ويعوّد من حوله عليه كونه طبع جُبل عليه.
الأسر النفسي نوعان:
النوع الأول : أسر شخصي ضرره خاص بالشخص نفسه كأنواع الرهاب مثلا، وهي الشعور بخوف مضخم من أمور تكون عادية للآخرين كالخوف من المرتفعات أو المصعد أو الأماكن المظلمة أو الأماكن الضيقة لدرجة أن الشخص يتعرق ويشحب لونه ويضطرب ضغطه، ولو طال الموقف عليه فقد يصل إلى الوفاة فعلا.
وأصحاب هذه الحالات لا يفكرون في التغلب على هذا الضعف، بل يفكرون في تجنب المواقف التي تسببه مع الاحتفاظ بتلك العلة النفسية كامنة داخلهم مستسلمين لهذا الوهم الآسر.
النوع الثاني : أسر متعدٍّ ، يكون الخلل النفسي مُؤذيا للآخرين، كالقسوة والغرور بل ربما الوصول إلى الشخصية النرجسية ، فيصبح الشخص عتيا جارحا للمحيطين به  يستعمل أسلوب الاستفزاز والاتهام ليجعل من حوله دونه وليكون في أمان بأنه يفوقهم حتى مع أقرب المقربين له.
يتفاقم الأمر مع الشخصية النرجسية التي ترى العالم يدور في فلكها هي فقط ، فالجميع يجب أن يشعروا بها ومع ذلك لا شيء يرضيها، لا تعرف تبادل المشاعر وتشارك المواقف مع أقرب المقربين ، فتتحول الحياة إلى جحيم دائم سواء بين الأزواج أو مع الأهل والأولاد ..
والسؤال : هل الشخص النرجسي سعيد بهذه الحياة ..؟!!
هو وإن شعر بالسعادة عند تعاليه وتحكمه بالآخرين ولكنه قلق محروم من السلام والإشراق النفسي اللذين تمنحهما السعادة الحقيقية للإنسان والتي تزداد بقسمتها على الآخرين ، هو شخص هش من الداخل ، يخفي ضعفه بتلك الخطوات الاستباقية في  اتهام  الآخرين بالتقصير والذنب.
ولكن هل من حل لهذا الخلل النفسي ؟!!
يبقى الجواب عند أهل التخصص وعند الشخص نفسه.
أهل التخصص يرون ألا شفاء من هذه الحالة إلا إذا اعترف الشخص بأنه لديه حالة مرضية، ولكن النرجسي لن يعترف وسيبقى العذاب مع من يلوذون به.
لذلك هو أسر، حالة عصية على الشفاء وعلى البرمجة السليمة، هي بؤس مستمر وطاقة سلبية تستهلك حياته وحياة الآخرين.

الجمعة، 9 أغسطس 2019

خطبة الوداع

* سرد تفصيلي للكلمات التي خرجت من فم أسعد الخلق  رسول الله محمد صلي الله عليه و سلم للمسلمين يوم عرفة
-------
- يوم عرفة و كلمات بها ودع رسول الله صلي الله عليه وسلم الأمة في حجة الوداع ( خطبة الوداع )
رسول الله محمد ابن عبد الله صلي الله عليه و سلم يخطب و مائة و أربعة و أربعون ألف مسلم ( و معهم السماء و الأرض و الجبال و الطير و من و ما قدر الله لهم أن يستمعوا ) يستمعون .
* الحدث : خطبة الوداع
* المكان : جبل الرحمة ب عرفة - مكة المكرمة
* الزمان : 9 ذو الحجة من العام العاشر للهجرة
* الخطيب : خاتم الأنبياء و المرسلين محمد ابن عبد الله صلي الله عليه و سلم
* الحضور : مائة و أربعة و أربعون ألف مسلم ( و معهم السماء و الأرض و الجبال و الطير و من و ما قدر الله لهم أن يستمعوا )
* الحدث الذي ألقيت فيه الخطبة : يوم عرفة من حجة الوداع
* بعض التفاصيل التي سبقت حجة الوداع :
- في شهر ذي القعدة من السنة العاشرة بدأ صلي الله عليه و سلم في الاستعداد للقيام بالحج للمرة الأولى في حياته و التي عُرفت في التاريخ بحجة الوداع و دعا إليها القبائل المختلفة من كل أنحاء الجزيرة العربية و توافدت القوافل متجهة إلى المدينة لصحبة الرسول في طريقه من المدينة إلى مكة و منهم من توجه مباشرة إلى مكة المكرمة، وقد بلغ عددهم مائة ألف و أربعة و أربعون ألف مسلم .
- خرج الرسول صلي الله عليه و سلم من المدينة المنورة لأربع بقين من ذي القعدة من السنة العاشرة من الهجرة و كان خروجه بعد صلاة الظهر و وصل إلى ذي الحُلَيْفة قبل العصر و صلى العصر هناك ركعتين قصرًا و أحرم من ذي الحُليفة، و انطلق في اتجاه مكة المكرمة و قد أهل بالحج و العمرة معًا فكان قارنًا بينهما و استمرت الرحلة المباركة مدة ثمانية أيام و وصل الرسول صلي الله عليه و سلم إلى مكة المكرمة بعد صلاة الفجر في يوم الرابع من ذي الحجة و كان قد صلى الفجر قبل دخوله مكة فلما دخل مكة اغتسل ثم ذهب إلى البيت الحرام فطاف بالكعبة ثم سعى بين الصفا و المروة و لم يتحلل من إحرامه لأنه - كما ذكرنا - كان قارنًا بين الحج و العمرة .
- و في اليوم الثامن من ذي الحجة و هو يوم التروية توجه إلى مِنى فصلى بها الظهر و العصر ثم المغرب و العشاء و بات فيها ثم صلى الصبح ثم انتظر حتى أشرقت الشمس فتوجه إلى عرفات و نزل هناك ب قبة ضربت له في نَمِرة ثم انتظر حتى زالت الشمس فقام و خطب في الناس خطبة عظيمة جامعة ( خطبة الوداع )
* نص الخطبة :
- - الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له . و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله .
أوصيكم عباد الله بتقوى الله و أحثكم على طاعته و أستفتح بالذي هو خير . أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في
موقفي هذا .
أيها الناس إن دماءكم و أعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا و إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم – ألا هل بلغت اللهم فاشهد . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها . ألا كل أمر من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع و إن دماء الجاهلية موضوعة و إن أول دم أضع من دمائنا دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب . و إن ربا الجاهلية موضوع و لكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون و قضى الله أنه لا ربا . و إن أول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب . و إن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة و السقاية و العمد قود و شبه العمد ما قتل بالعصا و الحجر و فيه مائة بعير فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد .
أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه و لكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم . أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً و يحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله و يحرموا ما أحل الله . و إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض . و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات و الأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات و واحد فرد : ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مضر الذي بين جمادي و شعبان – ألا هل بلغت ؟ قالوا نعم . قال اللهم فاشهد . أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً و لكم عليهن حق . لكم أن لا يوطئن فرشكم غيركم و لا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم و لا يأتين بفاحشة . فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن و تهجروهن في المضاجع و تضربوهن ضرباً غير مبرح . فإن انتهين و أطعنكم فعليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف . و استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً و إنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء و استوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت ؟ قالوا نعم . قال اللهم فاشهد . أيها الناس إنما المؤمنون إخوة و لا يحل لامرئ ما لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد . فلا ترجعن بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله و سنة نبيه . ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد .
أيها الناس إن ربكم واحد و إن أباكم واحد . كلكم لآدم و آدم من تراب . أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت ؟ قالوا نعم قال اللهم فاشهد – قال فليبلغ الشاهد الغائب .
أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث و لا يجوز لوارث وصية و لا يجوز وصية في أكثر من ثلث و الولد للفراش و للعاهر الحجر . من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل منه صرف و لا عدل. أيها الناس اسمعوا و أطيعوا و إن أمر عليكم عبد حبشي ما أقام فيكم كتاب الله ( ما هنا بمعني طالما ) . أيها الناس إنه لا نبي بعدي و لا أمة بعدكم . ألا فاعبدوا ربكم و صلوا خمسكم و صوموا شهركم و أدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم و تحجون بيت ربكم تدخلوا جنة ربكم . ثم قال صلي الله عليه و سلم : و أنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك بلغت و أديت و نصحت . فرفع صلي الله عليه و سلم إصبعه السبابة إلى السماء و أشار بها إلى الناس و هو يقول : اللهم اشهد . اللهم اشهد . اللهم اشهد ( قالها ثلاث مرات )
و لما فرغ من خطبته نزل عليه قوله تعالى : ( ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَ رَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً ) . و عندما سمع الفاروق عمر بن الخطاب تلك الآية و بفراسة المؤمن بكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : ليس بعد الكمال إلا النقصان ( يقصد إحساسه بقرب وفاة رسول الله صلي الله عليه و سلم ) . و بعد هذه الخطبة الجامعة و بعد نزول الآية الكريمة أَذَّن بلال رضي الله عنه للظهر ثم أقام الصلاة و صلى الرسول صلي الله عليه و سلم الظهر ركعتين قصرًا ثم أقام بلال لصلاة العصر فصلاها الرسول صلي الله عليه و سلم ركعتين كذلك . ثم بعد ذلك ركب ناقته القصواء حتى أتى الموقف فجعل مجتمعهم و طريقهم جبل المشاة أو طريق الناس بين يديه و استقبل القبلة و أخذ في الدعاء و الابتهال و التضرع إلى الله حتى غربت الشمس و ذهبت صفرتها قليلاً فركب ناقته و أردف أسامة بن زيد رضي الله عنهما و اتجه إلى المزدلفة فصلى هناك المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين ثم نام هذه الليلة حتى طلع الفجر فصلاه بأذان و إقامة ثم ركب صلي الله عليه و سلم القصواء حتى أتى المشعر الحرام بالمزدلفة فاستقبل القبلة فدعا الله و كبّره و هلله و ظل يدعو على هذه الصورة حتى كادت الشمس أن تطلع و لكن قبل طلوع الشمس تحول من جديد إلى مِنى و أردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما فتوجه مباشرة إلى الجمرة الكبرى حيث رماها بسبع حصيات و هو يكبر مع كل حصاة ثم انصرف بعد ذلك إلى المنحر لنحر مائة ناقة من الهدي كان قد ساقها معه فنحر بنفسه ثلاثًا و ستين بدنة و أمر عليًّا أن ينحر الباقي فنحر علي بن أبي طالب سبعًا و ثلاثين بَدَنَة و قد انتظر حتى طبخ جزءا من هذه النوق و أكل منه و في هذا اليوم بمنى خطب في الناس خطبة أخرى ذكّرهم فيها ببعض ما ذكر به في خطبة يوم عرفة ( خطبة الوداع ) ،فقال صلي الله عليه و سلم : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض . و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات و الأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات و واحد فرد : ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مضر الذي بين جمادي و شعبان . و قال أيضًا يسأل الناس: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ ". قلنا: الله و رسوله أعلم .
فسكت صلي الله عليه و سلم حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ثم قال: " أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ ؟ ". قلنا : بلى . قال: " أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ " . قلنا: الله و رسوله أعلم .
فسكت حتي ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ثم قال : " أَلَيْسَتِ الْبَلْدَةَ الْحَرَامَ؟ " .
قلنا : بلى . قال: " فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ " . قلنا : الله و رسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسمِّيه بغير اسمه ثم قال: " أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ؟ " قلنا: بلى. قال : " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَ أَمْوَالَكُمْ وَ أَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلا هَلْ بَلَّغْتَ؟ ". قالوا : نعم .
قال: " فَلْيُبِلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " . "أَلا لا يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ أَلا لا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ أَلا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا وَ لَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَسَيَرْضَى بِهِ".
و بعد هذه الخطبة دعا حالقه فحلق له رأسه ثم ركب إلى مكة حيث طاف طواف الإفاضة ثم صلى بمكة الظهر و شرب من ماء زمزم ثم عاد مرة أخرى إلى مِنى و بات فيها ليلته و في اليوم الثاني و هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة انتظر زوال الشمس ثم توجه إلى الجمرات فرمى حصيات عند كل جمرة و خطب في ذلك اليوم خطبة أخرى و كان مما قال صلي الله عليه و سلم فيها : "يَا أَيُّهَا النَّاُس إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ و إِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَ لاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَ لاَ لأَحْمَرَ عَلىَ أَسْوَدَ وَ لاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى " .
ثم قال: " أَبَلَّغْتُ ؟ ". قالوا: بَلَّغ رسول الله . ثم أعاد عليهم التذكير بحرمة الأموال و الدماء و الأعراض و أمرهم بالتبليغ . و مكث رسول الله صلي الله عليه و سلم في مِنى أيام التشريق الثلاثة ثم توجه إلى مكة فطاف بها طواف الوداع ثم توجّه بعدها مباشرة إلى المدينة المنورة . و هكذا انتهت حجة الوداع، ( الحجة الوحيدة التي حجها رسول الله صلي الله عليه و سلم ) .
* تأملات في حجة الوداع : قبل ثلاثٍ و عشرين سنة من ذلكم الوقت كان صلي الله عليه و سلم فردًا وحيدًا يعرض الإسلام على الناس فيردوه و يدعوهم فيكذبوه . في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن على نفسه أن يصلي في بيت الله و حرم الله و ها هم اليوم مائة ألف و أربعة و أربعون ألفًا يلتفون حول الصادق الأمين صلى الله عليه و سلم في مشهدٍ يوحي بأكمل معاني النصر و يجسدون صورة رائعة تحكي بأن الزمن و إن طال فإن الغلبة لأولياء الله و جنده مهما حوربت الدعوة و ضيق عليها و سامها الأعداء ألوان العداء و الاضطهاد فإن العاقبة للحق و لأهل الحق العاملين المصلحين : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَاء وَ ٱلضَّرَّاء وَ زُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ ) .. سار ذلكم الركب المبارك يدوس الأرض التي عذّب المشركون فيها من عذّبوا و سحبوا على رمضائها مَنْ سحبوا . ساروا يمرّون على مواضع لم تزل عالقة في أذهانهم . مواضع ذاقوا فيها ألوان العذاب و القهر و العنت . سار صلى الله عليه وسلم ليدخل المسجد الحرام الذي لطالما استقسم فيه المشركون بالأزلام و عبدوا فيه الأصنام . دخله صلي الله عليه و سلم طاهرًا نقيًا تردد أركانه و جنباته لا إله إلا الله و رجع الصدى من جبال بكة ( مكة المكرمة ) ينادي : لبيك اللهم لبيك

أقرا ايضا