كتب الاديب الطيب صالح ..
آلاف الناس يموتون كل يوم .
ولو وقفنا نتمعن لماذا مات كل منهم ،
وكيف مات ماذا يحدث لنا نحن الأحياء ؟ الدنيا تسير باختيارنا أو رغم أنوفنا . وأنا كملايين البشر ، أسير ، أتحرك بحكم العادة في الغالب في قافلة طويلة ، تصعد وتنزل تحط وترحل . والحياة في هذه القافلة ليست كلها شراً . أنتم ولا شك تدركون ذلك . قد يكون السير شاقاً بالنهار ، البوادي تترامى أمامنا كبحور ليس لها ساحل . نتصبب عراً . وتجف حلوقنا من الظمأ . ونبلغ الحد الذي نظن أن ليس بعده متقدم . ثم تغيب الشمس . ويبرد الهواء . وتتألق ملايين النجوم في السماء . نطعم ونشرب حينئذ ، ويغني مغني الركب . بعضنا يصلي جماعة وراء الشيخ ، وبعضنا يتحلق حلقات يرقصون ويغنون ويصفقون . وفوقنا سماء دافئة رخيمة .
وأحياناً نسري بالليل ما طاب لنا السري ، وحين يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود نقول : ( عند انبلاج الصبح يحمد القوم السري ) . وإذا كان السراب أحياناً يخدعنا ، وإذا كانت رسومنا المحمومة بفعل الحر والعطش تقرر أحياناً بأفكار لا أساس لها من الصحة فلا جرم . أشباح الليل تتبخر مع الفجر ، وحمى النهار تبرد مع نسيم الليل . هل ثمة وسيلة أخرى غير هذه ؟ .
هكذا كنت أقضي شهرين من كل سنة في تلك القرية
الصغيرة عند منحنى النيل ..
رواية موسم الهجرة الى الشمال ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق