السبت، 24 فبراير 2018

عبارة السلام 98 كتبت جهاد رشيد


عبارة السلام 98  
===========
جريمة فساد كل سبع دقائق فى مصر قالها وزير فى منصبه لم يستقل ولم يعلن أى مسئول فى حكومتنا الرشيدة التى تختبئ من شعبها داخل قريتها الذكية المحصنة عن اعتراضه أو استقالته . قالها وزير دون أن يثور شعبه ولا مرؤوسوه .
جريمة فساد كل سبع دقائق فى مصر بينما فى الإمارات حجم الجريمة : صفر . 
يا بويا 
إحنا فين ؟ ومصر فين ؟ ورايحين على فين ! 
كان نفسى أزعق بعلو صوتى  وأقول زهقت . زهقت من اللى بيحصل فى مصر .
زهقت من هموم المصريين ومشاكلهم وشكاواهم , من أحلامهم المدفونة تحت صخر الدويقة وجبل المقطم . وعيشتهم وسط الأموات فى ترب الغفير . زهقت من أمنياتهم الغرقانة فى بطن البحر واللى بيعشى بيها سمك القرش زهقت من ريحة لحمهم المحروق فى قطر الصعيد ولا فى قصر ثقافة ولا بأنبوبة غاز فاسدة تنفجر كل شوية فى وش عيلة كاملة , ولا تسرب غاز يقتل عريس وعروسه فى ليلة زفافهم . زهقت من العيال اللى نايمة فى حضن مقالب الزبالة , واللى بيموتوا تحت عجل التريللات مع كل طلعة صبح . وجرارات القصب التى تجرى فى وضح النهار والتريللات اللى بيحتموا فيها من خوفهم ويدفوا فيها  من البرد ومن عضة الكلاب السعرانة والحيوانات الضالة ومن ولاد الليل 
زهقت من تفاصيلهم  المجروحة وعيونهم المدبوحة ونظرة الخوف اللى بتطل من وشوشهم مع كل رحلة شمس ومع كل طلة فجر . 
زهقت من الرعب اللى بيتربى فيهم وفى قلوبهم جيل بعد جيل , وكرباج ورا كرباج وصفعة فوق التانية على الوش تدب وجمر الكف اللى بينزل على القفا وينصب . زهقت من القضايا اللى بتتلفق جاهزة وبتطلع مطبوخة من قلب درج المكتب مع حتة حشيش  وباكتة بانجو وحتة سلاح أبيض مطوة ولا سكين 
زهقت من اللى بيبيعوا عيالهم وعرضهم على الرصيف فى وسط البلد أو فى شارع جامعة الدول العربية .
  زهقت من قضايا سرقة أعضاء البشر  وأكل لحم البشر وشفط دم  البشر  وكله بقى على عينك يا تاجر مصر للبيع يا ولاد . الوطن للبيع يا ولاد . ذهبك يا مصر أموال بنوكك يا مصر مصانعك يا مصر  حديدك يا مصر  . لحمك يا مصر .. ولادك يا مصر . مصر للبيع يا ولاد .. مين يشترى ! عمرك , تاريخك , حضارتك , عظمتك , سلامتك , كرامتك ,  وحضنك   ونيلك  وأرضك وزرعك ودمك واسمك ! 
آلا أونا . آلا دو . آلا ترى !!
مصر أهى شروة فى بالة الزمن يا ولاد . مين يشترى ؟ 
كان نفسى أقولك تعالى ندور على سكة فيها  نور نمشيها سوا . ناخد حبايببنا وأصحابنا وأهلنا والناس اللى مننا ونروح ندور على وطن على بلد  على مصر . لقيت إن الفهلوة هى لغة العصر , و " مشى حالك " نظرية وتوجه ووجهة نظر صارت جديرة بالتفكير والاحترام . 
يا ترى إيه أخبارك إنت كمان وحاسس بإيه  وإنت عايش على أرض مصر ؟ يا ترى حواليك صحبة  وناس وأهل ودفا ؟ ولا زيى حاسس إنك عرين وسط  أهلك وغريب وإنت فى بلدك ؟  يا ترى عامل إيه دلوقت ؟ أدرت محطة التليفزيون  المصرى .. ولأترك الفضائيات لأصحابها ففاجأتنى كارثة كبرى . قال الخبر (يذكر أن اعداد الضحايا والمفقودين منذ فجر اليوم  1350 مصريا كانوا على متن العبارة ).
لم أفهم ما الخبر وماذا يقصدون به لكننى تجمدت فى مكانى , ثم تابعت إعادة بث التقرير الإخبارى  من جديد :((تعرضت العبارة المصرية السلام 98 لحادث غرق فى الساعات الأولى من صباح اليوم وهى فى طريقها إلى ميناء ((ضبا )) بالسعودية وعلى متنها العشرات من الركاب يذكر أن أعداد  الضحايا والمفقودين  منذ فجر اليوم 1350 مصريا كانوا على متن العبارة )) 
جلست فى ذهول كانت الصدمة أكبر من قدرتى على استيعابها , خرس صوتى وشعرت بغصة مرة  فى حلقى اختنقت ولم أعد قادرة على التنفس شعرت بأن الغرفة قد نفد منها الهواء وأننى بحاجة لوضعى على جهاز أكسجين .
لحظات صمت وأنا فى غرفتى وحدى , أجلس فى زوايتى , أتلقى الصدمة وحدى , أغرق فى عمق أحزانى وحدى كما غرق اليوم 1350  مصريا .
كارثة بكل المقاييس . 
اخيرا  استطعت أن أبكى أن أموت  فى البكاء وبدأ التليفزيون يبث تفاصيل  الحدث ومشاهد الغرق والجثث الطافية فوق سطح الماء وصورا حية لبعض الناجين الذين وضع بعضهم على نقالات  المسعفين  وبعضهم أجهده الفزع والصقيع وطول البقاء معافرا  مع مياه البحر  وأمواجه وأسماك قرشه , مكافحا ومجاهدا من أجل النجاة والبقاء .
التفوا فى بطاطين أحضرها لهم المسعفون ؛ ذكرتنى ببطاطين الحرب فى لبنان  حين أخفى بها رجال الإنقاذ مشهد الجنين الذى تدلى من رحم جثمان أمه .
للبطاطين مهام أخرى فى مصر أيضا حتى لو لم نكن فى ساحة حرب مع أبناء بنى صهيونى 
للبطاطين فى مصر مهمة تدفئة الأجساد المرتعشة الناجية بمعجزة إليهية من الغرق . للبطاطين فى مصر مهمة إعادة ضخ الدماء إلى الأجساد المبتلة التى جمدها الصقيع فى طلاسم البحر ووسط أمواجه المتلاطمة الصاخبة الغاضبة  فى ظلمة ليلة شتوية بلا قمر وبلا ومضة نور . وللبطاطين فى مصر مهمة إخفاء الجثث المشوهة التى خرجت لتوها مبتورة الأجزاء , ممزقة الأحشاء بعدما تلقفتها أسنان أسماك القرش وتناوبت عليها لساعات طوال بين الأنين ونزف الجراح وظلمة البحر والسماء .
وللبطاطين فى مصر مهمة إخفاء وجوه بعض الناجين لحين انتهاء إجراءات التقاضى وضياع الحقوق  وإغراقها  مع أصحابها الغارقين فى أعماق البحر فى ظلمة الفساد والمفسدين .  
بطاطين فى العراق , بطاطين فى فلسطين .. بطاطين فى لبنان .. فى سوريا .. فى قريتنا .. وفى مصر ...
رغم فداحة الحدث  وقسوته و وقسوته وإيلامه وجبروته  فوجئت ببث الأغنيات على كل القنوات التابعة لتليفزيون مصر بث الأغنيات المبهجة والبرامج الداعمة للمنتخب المصرى الرياضى  لمشاركته فى مباريات كأس الأمم الأفريقية . بث الأغنيات بدلا من أربعين  يوما تعلن الحداد  على روح 1350 مواطنا مصريا قتلهم الإهمال  والفساد  , والكبار  الذين غابوا عن ساحات  المحاكم  وتركوا قاعاتها  دون متهمين فقط ضجت القاعات بأهالى الضحايا الثكلى .. المكلومين .. المجروحين . 
أربعون يوما للحداد  على أرواح 1350  مصريا قتلوا عمدا  وإهمالا وغرقا وإمعانا فى الفساد  والطغيان أمام أعين ملايين  المصريين وكان أحدا يخرج لنا لسانه فى تحد وهو يقول .( مالكوش تمن يا ولا دال....) 
أربعون يوما لم يتقرر منها يوم للحداد , وإذا بالأغنيات تتواصل للكرة و والهتافات  تعلو فى شوارع القاهرة ومحافظاتها تشجيعا للمنتخب المصرى الذى سوف يشارك فى مباريات كأس الأمم الأفريقية .. ( وطظ فيكى يا بلد ..) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أقرا ايضا