الجمعة، 12 يوليو 2019

الناشرون ودور النشر

الناشرون ودور النشر  معضلة الثقافة العربية
(ملف العدد)
بهجت العبيدي كاتب ومفكر مصرى مقيم بالنمسا
أحمد محمد أبورحاب محمد مدير ثقافة مصر
الهام غانم عيسى سوريا

إن العلاقة بين الكتاب في عالمنا العربي وبين دور النشر علاقة أقل ما يقال عنها أنها علاقة توتر وشد وجذب بين طرفين يرى كل واحد منهما أن الظلم يقع عليه، وكل طرف من الطرفين يسعى جاهدا بأن يثبت براءته في تلك المعركة التي تدور رحاها على الساحة الأدبية والفكرية في عالمنا العربي، ويظل العامل الاقتصادي هو أكثر العوامل ظهورا على الساحة، خاصة لدى الناشرين الذين هم في أصل العملية مستثمرون وعملية الربح هي الأهم بالنسبة، هذا الجانب المادي ربما يختزل البعض تلك الأزمة الحاصلة بين الكتاب والناشرين فيه، فالناشر يُثْرى لأنه يحصل على النصيب الأوفر من العائد المادي،
في ذات الوقت الذي لا يحصل فيه الكاتب عما يرى أنه يستحقه من العائد الذي هو نتاج عقله وفكره وإبداعه، فلولاه لم يكن هناك مادة للنشر، ولولاه لم يقبل القارئ على المنتج الذي قدمه الناشر لسوق الكتب.
إن كل طرف من الطرفين، المُؤَلِّفِين والناشرين. كل واحدٍ من منهم يُحاول أن يبرأ ذمته مما وصل إليه الحال في عالم الكتب العربي اليوم، ويبذل الجهد الكبير في الإتيان بأسباب يحاول سوقها على كونها موضوعية، ويتصدر الوضع الاقتصادي تلك الأسباب، يتبعه ذلك الإحجام من القراء العرب على اقتناء الكتب، وافتقاد عمليات التسويق للبراعة المطلوبة والتي من خلالها يمكن أن تتضاعف عدة مرات عملية بيع الكتب. أما أكثر التهم الموجهة من قبل الكتاب فهي أن الناشرين – جلهم – لا ينظرون للمهنة بما يليق من الاحترام.
إن أهم الأزمات التي تعصف بالثقافة العربية في عصرنا الحالي هو عدم فتح الأبواب أمام المواهب الحقيقية – بوضع مئات الخطوط تحت كلمة الحقيقية هذه - الجديدة الشابة، تلك الأبواب التي تفتح على مصراعيها لعديمي الموهبة وأنصافها، ويساهم في ذلك بشكل كبير دور النشر التي تبحث عن الاسماء المعروفة، ولا تحذو حذو دور النشر الغربية التي تسعى إلى تقديم الاسماء الجديدة، وليس الاسماء الجديدة فحسب بل الأفكار الجديدة التي يمكن أن يطلق عليها استثنائية، إن المتابع يستطيع أن يلحظ ببساطة شديدة أنه لا توجد لدى دور النشر العربية – إلا النادر منها – سياسة مرسومة بوضوح تقدم من خلالها كافة أجناس الكتابة، كما تجعل فيها نصيبا للمواهب التي يصيبها الإحباط نتيجة لعدم قدرتها على النشر، وعدم مد يد التعاون والمساعدة ، بل وأحيانا استغلال تلك المواهب من خلال الجور على حقوقها، لمعرفة الناشر بالرغبة الشديدة لدى هذه المواهب بإصدار الكتب التي تحمل فكرها وانتاجها الإبداعي واسمها.

سيظل هناك هذه الحال من  التوتُّرات  بين الناشرين والكُتَّاب؛ تلك التوترات التي نرى أن لها أسبابا موضوعية تتمثل في حرص الكاتب على أفكاره والدفاع عنها وحرصه على أن تصل إلى القراء في أفضل شكل وأبهى صورة، وحرصه على تسويقها، أما الجانب المادي فله مساحة كبيرة في هذا الصراع الدائر بين الناشرين والكتاب، حيث يدافع الكاتب بشكل دائم عن حقوقه المادية، والتي يرى دوما أنها مهدرة، ولعل أوضح مثالا في عالمنا العربي عن ذلك يتضح جليا فيما ذكرة أديبنا العالمي الراحل الخالد صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ حينما وصف أصحاب دار نشر كتبه "قصصه" بأنهم تجار "شطار" ذلك الوصف الذي يضع الناشر  في جانب من جوانبه في وضع المُتَّهَم، وذلك لغياب الوضوح والشفافية في  العلاقة بينه وبين بالمؤلِّف. هكذا يرى كل طرف الآخر، ما يجعل العلاقة بين الاثنيْن علاقة زواج كاثوليكي، فلا أحد منهما يستطيع أن يستغني عن الآخر، وكل واحد منهما في حاجة إلى الآخر، رغم التَّشَنُّجات القائمة بينهما، بصورة دائمة، ولو بشكل مُتَسَتِّرٍ، أو غير مُعْلَنٍ.
هناك أيضا مشكلة كبيرة تواجه الكتاب – وخاصة الشباب منهم – مع دور النشر؛ وهي أن بعض أو بالأحرى العديد من دور النشر لا تقبل نشر كافة الأنواع الكتابة أو الأنواع الأدبية؛ وهو ما يجعل النابهين في فن من الفنون الكتابة لا يتحصلون بسهولة على فرصة النشر، وهو ما يجعلنا أمام معضلة يمكن أن تؤدي إلى وأد تلك المواهب.
إن العقود التي تحكم عملية النشر بين المؤلف ودور النشر هي من الأهمية بمكان، فليس معقولا أن يتم استغلال الناشرين للكتاب، خاصة الناشئين منهم، وتتم صياغة العقد بطريقة مجحفة لأقصى درجة، وبالطبع يرضخ معظم الكتاب – حتى الكبار منهم أحيانا – لهذا الإجحاف، لأنهم يريدون أن يذيعوا أفكارهم على القراء، هذا الذي يعلمه ويدركه بحسه التجاري أصحاب دور النشر.
إن الإقبال الضعيف من القارئ العربي على شراء الكتب، تضع الناشر والكاتب كلاهما في مأزق حقيقي؛ فالأول يريد بيع الكتاب، ومن ثم الحصول على الربح بعد أن يمنح الكاتب حقه الذي تم الاتفاق عليه، والثاني – إن كان لا يملك دخلا إلا من خلال ما يتم بيعه من إنتاجه الفكري – ينتظر العائد المادي الذي يقتات منه، كنا يريد أن ترى أفكاره النور وأن تسهم في ثقافة المجتمع وأن يرى تأثير ما كتبه على جمهوره الذي حرص على شراء الكتاب، ومن هنا تأتي أهمية أن يكون لدى الناشر من الوسائل التي تساهم في دعم المشروع الفكري للكاتب، وهذا لن يتحقق إلى إذا أصبح لدى دور النشر مشروعا فكريا ذات ملامح واضحة، يسعى أن يجتذب له المؤمنين به من الكتاب، ولعله من المناسب أن نعلن أن ذلك غير متحقق في عالمنا العربي، وفي القلب منه مصر، كما نؤكد أنه لن يتحقق إلا من دور نشر كبيرة الشأن، حيث أن غيرها لم يصل بعد للإيمان بأهمية وجود مفهوم المشروع الفكري المتكامل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أقرا ايضا