الأربعاء، 14 أغسطس 2019

أسرى الوهم بقلم لميس محمد سوريا


يتجه الدماغ عند تلقيه لهذا العنوان إلى تفسير معنى كلمة ( وهم ): وهي مخاوف وتخيلات يضخمها اللا وعي عند الإنسان حتى تصبح أمرا مرضيا وأحيانا لا يرجى منه شفاء.
ولكن الدماغ يتجاهل الوقوف عند كلمة ( أسرى )، فلا يبحث عن سبب الأسر ولا الحل للخروج منه، لأن العقل اللا واعي يتعامل مع الوهم باعتباره نشاطا دماغيا منذ الطفولة،  فالرضيع يدخل في نوبات بكاء عندما يشعر بابتعاد أمه عنه متوهما حالة من الخطر المحدق به لو ابتعد عن أمه.
في حين بقيت مفردة ( أسرى ) ضمن المعاني التي يطويها الدماغ ، فلا يبحث عن أسبابها ولا الحلول للخلاص منها؛ وثقافتنا ساندته في هذا الموقف، إذ ظلت في معزل عن الاهتمام بالجانب النفسي طالما أن الإنسان يستطيع أن يدرس وينجح ويمارس عمله في الوظيفة، ويستطيع أن يكون صداقات، ويدخل في علاقة زواج، ولو كانت بائسة، حتى يصبح معتادا على مافيه من خلل في صحته النفسية، ويعوّد من حوله عليه كونه طبع جُبل عليه.
الأسر النفسي نوعان:
النوع الأول : أسر شخصي ضرره خاص بالشخص نفسه كأنواع الرهاب مثلا، وهي الشعور بخوف مضخم من أمور تكون عادية للآخرين كالخوف من المرتفعات أو المصعد أو الأماكن المظلمة أو الأماكن الضيقة لدرجة أن الشخص يتعرق ويشحب لونه ويضطرب ضغطه، ولو طال الموقف عليه فقد يصل إلى الوفاة فعلا.
وأصحاب هذه الحالات لا يفكرون في التغلب على هذا الضعف، بل يفكرون في تجنب المواقف التي تسببه مع الاحتفاظ بتلك العلة النفسية كامنة داخلهم مستسلمين لهذا الوهم الآسر.
النوع الثاني : أسر متعدٍّ ، يكون الخلل النفسي مُؤذيا للآخرين، كالقسوة والغرور بل ربما الوصول إلى الشخصية النرجسية ، فيصبح الشخص عتيا جارحا للمحيطين به  يستعمل أسلوب الاستفزاز والاتهام ليجعل من حوله دونه وليكون في أمان بأنه يفوقهم حتى مع أقرب المقربين له.
يتفاقم الأمر مع الشخصية النرجسية التي ترى العالم يدور في فلكها هي فقط ، فالجميع يجب أن يشعروا بها ومع ذلك لا شيء يرضيها، لا تعرف تبادل المشاعر وتشارك المواقف مع أقرب المقربين ، فتتحول الحياة إلى جحيم دائم سواء بين الأزواج أو مع الأهل والأولاد ..
والسؤال : هل الشخص النرجسي سعيد بهذه الحياة ..؟!!
هو وإن شعر بالسعادة عند تعاليه وتحكمه بالآخرين ولكنه قلق محروم من السلام والإشراق النفسي اللذين تمنحهما السعادة الحقيقية للإنسان والتي تزداد بقسمتها على الآخرين ، هو شخص هش من الداخل ، يخفي ضعفه بتلك الخطوات الاستباقية في  اتهام  الآخرين بالتقصير والذنب.
ولكن هل من حل لهذا الخلل النفسي ؟!!
يبقى الجواب عند أهل التخصص وعند الشخص نفسه.
أهل التخصص يرون ألا شفاء من هذه الحالة إلا إذا اعترف الشخص بأنه لديه حالة مرضية، ولكن النرجسي لن يعترف وسيبقى العذاب مع من يلوذون به.
لذلك هو أسر، حالة عصية على الشفاء وعلى البرمجة السليمة، هي بؤس مستمر وطاقة سلبية تستهلك حياته وحياة الآخرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أقرا ايضا