الجمعة، 9 أغسطس 2019

خطبة الوداع

* سرد تفصيلي للكلمات التي خرجت من فم أسعد الخلق  رسول الله محمد صلي الله عليه و سلم للمسلمين يوم عرفة
-------
- يوم عرفة و كلمات بها ودع رسول الله صلي الله عليه وسلم الأمة في حجة الوداع ( خطبة الوداع )
رسول الله محمد ابن عبد الله صلي الله عليه و سلم يخطب و مائة و أربعة و أربعون ألف مسلم ( و معهم السماء و الأرض و الجبال و الطير و من و ما قدر الله لهم أن يستمعوا ) يستمعون .
* الحدث : خطبة الوداع
* المكان : جبل الرحمة ب عرفة - مكة المكرمة
* الزمان : 9 ذو الحجة من العام العاشر للهجرة
* الخطيب : خاتم الأنبياء و المرسلين محمد ابن عبد الله صلي الله عليه و سلم
* الحضور : مائة و أربعة و أربعون ألف مسلم ( و معهم السماء و الأرض و الجبال و الطير و من و ما قدر الله لهم أن يستمعوا )
* الحدث الذي ألقيت فيه الخطبة : يوم عرفة من حجة الوداع
* بعض التفاصيل التي سبقت حجة الوداع :
- في شهر ذي القعدة من السنة العاشرة بدأ صلي الله عليه و سلم في الاستعداد للقيام بالحج للمرة الأولى في حياته و التي عُرفت في التاريخ بحجة الوداع و دعا إليها القبائل المختلفة من كل أنحاء الجزيرة العربية و توافدت القوافل متجهة إلى المدينة لصحبة الرسول في طريقه من المدينة إلى مكة و منهم من توجه مباشرة إلى مكة المكرمة، وقد بلغ عددهم مائة ألف و أربعة و أربعون ألف مسلم .
- خرج الرسول صلي الله عليه و سلم من المدينة المنورة لأربع بقين من ذي القعدة من السنة العاشرة من الهجرة و كان خروجه بعد صلاة الظهر و وصل إلى ذي الحُلَيْفة قبل العصر و صلى العصر هناك ركعتين قصرًا و أحرم من ذي الحُليفة، و انطلق في اتجاه مكة المكرمة و قد أهل بالحج و العمرة معًا فكان قارنًا بينهما و استمرت الرحلة المباركة مدة ثمانية أيام و وصل الرسول صلي الله عليه و سلم إلى مكة المكرمة بعد صلاة الفجر في يوم الرابع من ذي الحجة و كان قد صلى الفجر قبل دخوله مكة فلما دخل مكة اغتسل ثم ذهب إلى البيت الحرام فطاف بالكعبة ثم سعى بين الصفا و المروة و لم يتحلل من إحرامه لأنه - كما ذكرنا - كان قارنًا بين الحج و العمرة .
- و في اليوم الثامن من ذي الحجة و هو يوم التروية توجه إلى مِنى فصلى بها الظهر و العصر ثم المغرب و العشاء و بات فيها ثم صلى الصبح ثم انتظر حتى أشرقت الشمس فتوجه إلى عرفات و نزل هناك ب قبة ضربت له في نَمِرة ثم انتظر حتى زالت الشمس فقام و خطب في الناس خطبة عظيمة جامعة ( خطبة الوداع )
* نص الخطبة :
- - الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له . و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله .
أوصيكم عباد الله بتقوى الله و أحثكم على طاعته و أستفتح بالذي هو خير . أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في
موقفي هذا .
أيها الناس إن دماءكم و أعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا و إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم – ألا هل بلغت اللهم فاشهد . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها . ألا كل أمر من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع و إن دماء الجاهلية موضوعة و إن أول دم أضع من دمائنا دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب . و إن ربا الجاهلية موضوع و لكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون و قضى الله أنه لا ربا . و إن أول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب . و إن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة و السقاية و العمد قود و شبه العمد ما قتل بالعصا و الحجر و فيه مائة بعير فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد .
أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه و لكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم . أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً و يحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله و يحرموا ما أحل الله . و إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض . و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات و الأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات و واحد فرد : ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مضر الذي بين جمادي و شعبان – ألا هل بلغت ؟ قالوا نعم . قال اللهم فاشهد . أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً و لكم عليهن حق . لكم أن لا يوطئن فرشكم غيركم و لا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم و لا يأتين بفاحشة . فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن و تهجروهن في المضاجع و تضربوهن ضرباً غير مبرح . فإن انتهين و أطعنكم فعليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف . و استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً و إنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء و استوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت ؟ قالوا نعم . قال اللهم فاشهد . أيها الناس إنما المؤمنون إخوة و لا يحل لامرئ ما لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد . فلا ترجعن بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله و سنة نبيه . ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد .
أيها الناس إن ربكم واحد و إن أباكم واحد . كلكم لآدم و آدم من تراب . أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت ؟ قالوا نعم قال اللهم فاشهد – قال فليبلغ الشاهد الغائب .
أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث و لا يجوز لوارث وصية و لا يجوز وصية في أكثر من ثلث و الولد للفراش و للعاهر الحجر . من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل منه صرف و لا عدل. أيها الناس اسمعوا و أطيعوا و إن أمر عليكم عبد حبشي ما أقام فيكم كتاب الله ( ما هنا بمعني طالما ) . أيها الناس إنه لا نبي بعدي و لا أمة بعدكم . ألا فاعبدوا ربكم و صلوا خمسكم و صوموا شهركم و أدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم و تحجون بيت ربكم تدخلوا جنة ربكم . ثم قال صلي الله عليه و سلم : و أنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك بلغت و أديت و نصحت . فرفع صلي الله عليه و سلم إصبعه السبابة إلى السماء و أشار بها إلى الناس و هو يقول : اللهم اشهد . اللهم اشهد . اللهم اشهد ( قالها ثلاث مرات )
و لما فرغ من خطبته نزل عليه قوله تعالى : ( ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَ رَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً ) . و عندما سمع الفاروق عمر بن الخطاب تلك الآية و بفراسة المؤمن بكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : ليس بعد الكمال إلا النقصان ( يقصد إحساسه بقرب وفاة رسول الله صلي الله عليه و سلم ) . و بعد هذه الخطبة الجامعة و بعد نزول الآية الكريمة أَذَّن بلال رضي الله عنه للظهر ثم أقام الصلاة و صلى الرسول صلي الله عليه و سلم الظهر ركعتين قصرًا ثم أقام بلال لصلاة العصر فصلاها الرسول صلي الله عليه و سلم ركعتين كذلك . ثم بعد ذلك ركب ناقته القصواء حتى أتى الموقف فجعل مجتمعهم و طريقهم جبل المشاة أو طريق الناس بين يديه و استقبل القبلة و أخذ في الدعاء و الابتهال و التضرع إلى الله حتى غربت الشمس و ذهبت صفرتها قليلاً فركب ناقته و أردف أسامة بن زيد رضي الله عنهما و اتجه إلى المزدلفة فصلى هناك المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين ثم نام هذه الليلة حتى طلع الفجر فصلاه بأذان و إقامة ثم ركب صلي الله عليه و سلم القصواء حتى أتى المشعر الحرام بالمزدلفة فاستقبل القبلة فدعا الله و كبّره و هلله و ظل يدعو على هذه الصورة حتى كادت الشمس أن تطلع و لكن قبل طلوع الشمس تحول من جديد إلى مِنى و أردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما فتوجه مباشرة إلى الجمرة الكبرى حيث رماها بسبع حصيات و هو يكبر مع كل حصاة ثم انصرف بعد ذلك إلى المنحر لنحر مائة ناقة من الهدي كان قد ساقها معه فنحر بنفسه ثلاثًا و ستين بدنة و أمر عليًّا أن ينحر الباقي فنحر علي بن أبي طالب سبعًا و ثلاثين بَدَنَة و قد انتظر حتى طبخ جزءا من هذه النوق و أكل منه و في هذا اليوم بمنى خطب في الناس خطبة أخرى ذكّرهم فيها ببعض ما ذكر به في خطبة يوم عرفة ( خطبة الوداع ) ،فقال صلي الله عليه و سلم : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض . و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات و الأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات و واحد فرد : ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مضر الذي بين جمادي و شعبان . و قال أيضًا يسأل الناس: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ ". قلنا: الله و رسوله أعلم .
فسكت صلي الله عليه و سلم حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ثم قال: " أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ ؟ ". قلنا : بلى . قال: " أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ " . قلنا: الله و رسوله أعلم .
فسكت حتي ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ثم قال : " أَلَيْسَتِ الْبَلْدَةَ الْحَرَامَ؟ " .
قلنا : بلى . قال: " فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ " . قلنا : الله و رسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسمِّيه بغير اسمه ثم قال: " أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ؟ " قلنا: بلى. قال : " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَ أَمْوَالَكُمْ وَ أَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلا هَلْ بَلَّغْتَ؟ ". قالوا : نعم .
قال: " فَلْيُبِلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " . "أَلا لا يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ أَلا لا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ أَلا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا وَ لَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَسَيَرْضَى بِهِ".
و بعد هذه الخطبة دعا حالقه فحلق له رأسه ثم ركب إلى مكة حيث طاف طواف الإفاضة ثم صلى بمكة الظهر و شرب من ماء زمزم ثم عاد مرة أخرى إلى مِنى و بات فيها ليلته و في اليوم الثاني و هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة انتظر زوال الشمس ثم توجه إلى الجمرات فرمى حصيات عند كل جمرة و خطب في ذلك اليوم خطبة أخرى و كان مما قال صلي الله عليه و سلم فيها : "يَا أَيُّهَا النَّاُس إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ و إِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَ لاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَ لاَ لأَحْمَرَ عَلىَ أَسْوَدَ وَ لاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى " .
ثم قال: " أَبَلَّغْتُ ؟ ". قالوا: بَلَّغ رسول الله . ثم أعاد عليهم التذكير بحرمة الأموال و الدماء و الأعراض و أمرهم بالتبليغ . و مكث رسول الله صلي الله عليه و سلم في مِنى أيام التشريق الثلاثة ثم توجه إلى مكة فطاف بها طواف الوداع ثم توجّه بعدها مباشرة إلى المدينة المنورة . و هكذا انتهت حجة الوداع، ( الحجة الوحيدة التي حجها رسول الله صلي الله عليه و سلم ) .
* تأملات في حجة الوداع : قبل ثلاثٍ و عشرين سنة من ذلكم الوقت كان صلي الله عليه و سلم فردًا وحيدًا يعرض الإسلام على الناس فيردوه و يدعوهم فيكذبوه . في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن على نفسه أن يصلي في بيت الله و حرم الله و ها هم اليوم مائة ألف و أربعة و أربعون ألفًا يلتفون حول الصادق الأمين صلى الله عليه و سلم في مشهدٍ يوحي بأكمل معاني النصر و يجسدون صورة رائعة تحكي بأن الزمن و إن طال فإن الغلبة لأولياء الله و جنده مهما حوربت الدعوة و ضيق عليها و سامها الأعداء ألوان العداء و الاضطهاد فإن العاقبة للحق و لأهل الحق العاملين المصلحين : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَاء وَ ٱلضَّرَّاء وَ زُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ ) .. سار ذلكم الركب المبارك يدوس الأرض التي عذّب المشركون فيها من عذّبوا و سحبوا على رمضائها مَنْ سحبوا . ساروا يمرّون على مواضع لم تزل عالقة في أذهانهم . مواضع ذاقوا فيها ألوان العذاب و القهر و العنت . سار صلى الله عليه وسلم ليدخل المسجد الحرام الذي لطالما استقسم فيه المشركون بالأزلام و عبدوا فيه الأصنام . دخله صلي الله عليه و سلم طاهرًا نقيًا تردد أركانه و جنباته لا إله إلا الله و رجع الصدى من جبال بكة ( مكة المكرمة ) ينادي : لبيك اللهم لبيك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أقرا ايضا