الجمعة، 16 أغسطس 2019

سن الأربعين بين النظرى والواقع بقلم لميس محمد سوريا

استوقفني التفكير بهذا الرقم الذي يحمل صفرا عن يمينه للمرة الرابعة في حياة الإنسان (40) ومن خلال تصفح هذا الاختراع الذي جاء به السيد مارك وهو  الفيس بوك وجدت العديد من المجموعات حول ( شباب في سن الأربعين )
فلماذا بشكل غير مخطط له اختار رواد الفيس أن يكون لسن الأربعين مجموعات خاصة بهم وكأنها مقهى فكري يجمع الأفراد المنطلقين على متن هذه الرحلة الخاصة
هل سن الأربعين رحلة لركاب من فئة خاصة ..!!

لطالما انتظرت هذا الرقم فمن خلال البدايات في دراسة الأدب العربي وجدت أن هذا السن كان نقطة تحول من الشباب وألقه واندفاعه وشغفه إلى الزهد والورع والتزود للدار الآخرة كالشاعر ابن خفاجة الأندلسي ..
ومثله كان الشاعر أبو فراس الحمداني الذي استنكر على نفسه وقوفها على ديار الحبيبة بعد هذا السن ، فوقف يتحسر على أيام الشباب والغزل التي ولت بعد بلوغه الأربعين فيقول متسائلاً في مطلع قصيدة طويلة يسرد فيها بطولات شبابه مع الحسان:
وقوفك في الديار عليك عارُ .. وقد رد الشباب المستعارُ
أبعد الأربعين محرمات ..    تماد في الصبابة، واغترار؟

وإذا التفتنا إلى أدباء العصر الحديث نجد من الذين وقفوا عند سن الأربعين وقفة المستعد لهزيمة مسبقة في الحياة  فاروق جويدة في مناجاته لأمه:

الطفل يا أماه يسرع نحو درب الأربعين.. أتصدقين؟
ما أرخص الأعمار في سوق السنين!.

وكذلك الشاعر والأديب غازي القصيبي الذي وقف حائراً أمام بوابة الأربعين:

وها أنا ذا أمام الأربعين
يكاد يؤودني حمل السنين
تمر الذكريات رؤى شريط
تلون بالمباهج والشجون
إذا ما غبت في طيف سعيد
هفت عيني إلى طيف حزين
أطالع في المودع من شبابي
كما نظر الغريق إلى السفين
وارتقب الخبء من الأماسي
بذعر الطفل من غده الخؤون
وليست مناجاة الأربعين حكراً

بعد كل هذا التشاؤم والتفكير السلبي تجاه العمر الزمني للإنسان وجدت لمحة مشرقة عند الأديب «عباس العقاد» الذي لخص حاله في الأربعين بكلمات متزنة مقطرة بالحكمة:
«كنت في العشرين كالجالس على المائدة وهو يظن أن أطايب الطعام لا تزال مؤخرة محجوزة لأنه لم يجد أمامه طعاماً يستحق الإقبال.. فهو لهذا يزهد فيما بين يديه ويتشوق لما بعده حتى إذا أشفق أن ينهض جائعاً تناول مما بين يديه باعتدال فأمن الجوع وأمن فوات المقبل الموعود».

ولكن القول الفصل في الحكم على هذا الرقم في عمر الإنسان هو قوله تعالى : (.. حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإنني من المسلمين )
وهو السن الذي اختاره الله تعالى لنبينا محمد ﷺ ليبلغ رسالة السماء إلى الأرض .. فلم القلق من هذا الرقم
ومن الأمثلة المعاصرة أجد الاختراع المدهش لسلسلة مطاعم ماكدونالد قد أسسها صاحبها بعد تقاعده من العمل في حوالي الستين من عمره

فالحياة لا تقاس بالأرقام بل بالخيارات مهما كان عمرنا الزمني
وعن قناعة أقول بأنني منذ عشرين عاما قررت أن يكون عمري هو ثمانية عشر فقط والباقي لن أحسبه .. لأن توالي السنوات لن يكون إضافة إلا بخياراتنا النفسية والاجتماعية والثقافية والعملية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أقرا ايضا