العز بن عبدالسلام
" شيخ الاسلام و المسلمين ، احد الائمة الاعلام ، سلطان العلماء ، امام عصره بلا مدافعة ، القائم بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر في زمانه ، المطلع على حقائق الشريعة و غوامضها ، العارف بمقاصدها " .. هكذا قال عنه ابن دقيق العيد .
هو عبد العزيز بن عبد السلام بن ابي القاسم بن الحسن شيخ الاسلام . ولد بدمشق 1181م و نشأ فيها . لقد كان فقيها وعالما بارعا وتميز في ذلك فأطلق عليه تلميذه الأول دقيق العيد لقب "سلطان العلماء" و مؤلفات الشيخ الجليل العظيمة القيمة تشهد بذلك .
كان للعز بن عبد السلام هيبة لا يضاهيه فيها احد وجرأة على كل مخالف لشرع الله مهما علا شأنه ومهما كانت مكانته ومن مواقفه الشهيرة انه حينما تولى الصالح اسماعيل امر دمشق وهو اخو الصالح ايوب الذي كان حاكما لمصر ، تحالف الصالح اسماعيل مع الصليبيين لحرب اخيه نجم الدين ايوب في مصر و وعد الصليبيين بأن يعطيهم مدينتي صيدا و الشقيف وسمح لهم بشراء السلاح من دمشق ، فما كان من الشيخ العز بن عبد السلام الا ان هاجم الصالح اسماعيل بشدة على المنابر و اعلن ان الصالح اسماعيل لا يمتلك المدن الاسلامية ليتنازل عنها للصليبيين ولا يجوز بيع السلاح للصليبيين لانه معروف انهم سيقتلون بها اخوانهم من المسلمين في مصر و هكذا قال سلطان العلماء كلمة الحق في وجه سلطان جائر . فما كان من الصالح اسماعيل الا ان عزله عن منصبه من القضاء ثم امر باعتقاله وحبسه .
جاء شيخنا الجليل الى مصر و استقر بها بعد ما لاقى من صنوف الاضطهاد في دمشق ، لكنه بعد فترة من تواجده بمصر وجد ان المناصب الكبرى و الولايات العامة و الامارة كانت كلها للماليك الذين اشتراهم نجم الدين قبل ذلك فكانت الحكومة الحقيقية في ايديهم فأمراء الجيش كانوا منهم والمسؤلون كلهم مماليك ونائب السلطنة مملوك و كان منهم من لم يثبت تحرره من الرق و كان العز بن عبد السلام كبير قضاة مصر في ذلك الوقت و رأى ان المماليك في حكم العبيد و لا يجوز لهم الولاية على الاحرار وأصدر فتواه بعدم جواز ولايتهم .
اشتعلت مصر بغضب امراء المماليك وحاولوا اقناع العز بن عبد السلام بالتخلي عن فتواه و حاولوا تهديده لكنه رفض و اصر على موقفه و رفع الامر للصالح ايوب ، فرفض الصالح ايوب كلام الشيخ وحاول ان يؤثر عليه ليغير فتواه ، فلم يأتمر الشيخ بأمره و أمره الا يتدخل في شئون القضاء و عندما وجد الشيخ ان كلامه لا يسمع ، خلع نفسه من منصبه بالقضاء ، مقررا الرحيل عن مصر و ركب حمارته للرحيل و قال "الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها" اشارة منه الى الآية القرآنية . خرج الآلاف من اهل مصر علماء وتجار ، رجال ونساء وصبية خلف الشيخ تأييدا له بل و قرر الصالحين من العلماء الرحيل معه ، و لما علم الصالح ايوب بذلك أسرع بنفسه للشيخ لاسترضائه لكن الشيخ اشترط ان يباعوا المماليك و بعد ذلك يتم عتقهم ، و لما كان ثمن هؤلاء الامراء من قبل كان من بيت مال المسلمين فلابد ان يرد المال الى بيت مال المسلمين و لذلك اطلق على الشيخ العز بن عبد السلام "بائع الأمراء" و يذكر انه نصحه احد ابنائه انه يخاف عليه من بطش أمراء المماليك فرد عليه الشيخ الجليل بقوله " أأبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله ؟ "
ولقد برز دور الشيخ الجليل في زمن الحروب الصليبية و عاصر الدول الاسلامية المنشقة عن الخلافة العباسية في اخر عهدها وأبرز نشاطاته دعوته القوية لمواجهة الغزو المغولي التتري و شحذه لهمم الحكام ليقودوا الحرب ضد الغزاة خصوصا قطز . توفي الشيخ الجليل العز بن عبد السلام عن ثلاثة وثمانين عام سنة 1261 .. رحم الله سلطان العلماء وبائع الامراء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق