الخميس، 28 نوفمبر 2024

باب زويلة

**باب زويلة أو بوابة المتولي..**

** الخرافات والحكايات الغريبة.. !**

من بلاده البعيدة قَدِم المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر مفتتحا مدينته الضخمة التي قرر أن ينقل فيها حكمه وحكم أحفاده وأحفاد أحفاده من بعده، بل حمل معه رفات أجداده لتُدفن في القاهرة.
   من هذا الباب تحديدًا دخل، إنه "باب زويلة"، أو بوابة المتولي كما سيصير اسمها على لسان العامة، بوابة ستحمل الكثير والكثير من تاريخ القاهرة، على هذا الباب عُلِّقت رؤوس رسل التتار، وعلى هذا الباب عُلقت رأس طومان باى آخر سلاطين المماليك، وعلى الباب كانت شائعات وخرافات لا مثيل لها في أي مكان آخر في القاهرة.

حين حضر المعز إلى القاهرة، جاء في حراسة من أولاده الأربعة المسلحين، يتقدمهم اثنان من الفيلة، وذهب إلى قصره، ولم تكن القاهرة في وقت المعز مدينة للعامة ، إنما كان الغرض منها أن تكون مقرًا للخليفة ورجاله وعبيده وموظفيه وقواته من المغاربة، ولم يكن العامة من أهل مصر يدخلون إليها ، فلم يكن يُسمح لأحد بالدخول من الأبواب بدون إذن ، أما سفراء الدول الأجنبية فكانوا يترجلون حينما يصلون إلى الأسوار من على خيولهم، ثم يصلون إلى القصر في حراسة بعض الجنود .

لم يكن باب زويلة حين أنشأه جوهر الصقلي على شكله الحالي، بل كان يتكون من مدخلين، أو رواقين، حيث كان كل منهما يسمى "قنطرة"، الباب الحالي هو الذي دخل منه المعز لدين الله الفاطمي، حينما جاء إلى القاهرة الجديدة، وحذا حذوه الناس جميعا ، لكن ولسبب ما اعتبر الناس القنطرة الثانية شؤماً، ومن يمر بها سيصيبه شر، فأصبح الناس لا يمرون منها أبدا، بل يمرون من القنطرة الرئيسية.

ويقول المقريزي في كتابه (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار)، والمكتوب في عام 1420 ميلادية: إن الباب الثاني لم يعد له وجود، وليس هناك أي أثر له، والمكان الذي كان يوجد فيه يسمى "الحجرين"، وهناك كانت تباع الآلات الموسيقية مثل الطبول والعيدان، ومن العقائد السارية بين الناس أن كل من يعبر من هناك سوف لا يستطيع أن يحقق رغباته في الحياة.

ويقال: إن السبب في هذا الاعتقاد أن تلك الآلات الموسيقية لا تستخدم إلا في اللهو والعبث، ولا توجد إلا في منازل الموسيقيين والمغنيين، ومن ثم تحول إلى مكان مهجور يخشاه الناس، حتى هُدم ولم يبقَ موجودا.**المتولي الرجل الغامض طبيب كل الأمراض المستعصية !**

لكنّ المصريين دأبوا على تسمية باب زويلة باسم آخر هو "باب المتولي"، وهو "القطب المتولي" الذي كان زعيم الأولياء الصالحين كما يراه المصريون، يقول المؤرخ الإنجليزي ستانلي لين بول ، والذي زار القاهرة أواخر القرن التاسع عشر عن المتولي: "يحوط حياته شيء من الغموض والإبهام، وهذا الولي المقدس له قدرة عجيبة في التنقل من مكان إلى آخر بحيث يكون خافيا عن الأنظار فهو يطير دون أن يراه أحد من أعلى الكعبة في مكة إلى باب زويلة، وهناك يستقر في مخدع خلف الباب الخشبي، والمؤمنون بهذا الولي يسبحون وهم يمرون بجانب هذا المخدع".

ويستكمل ستانلي لين بول: "وإذا انتابك صداع فليس من علاج ناجح إلا أن تدق مسمارًا فى الباب، والعلاج المحقق لألم الأسنان هو أن تنتزع السن الذي يؤلمك وتضعه في نفس البقعة المقدسة، وربما كان علاج السن في حد ذاته علاجًا للألم، غير أن الإيحاء يُشتمُّ منه رائحة الكفر والإلحاد، لذا فالأفضل أن يُنتزع الضرس ويُثبت هناك".

من هنا كان المارة يضعون النذور ويسبحون بحمد الله عند مرورهم على مقامه ، ويصف الرحالة والمؤرخ مشهد الباب في القرن التاسع عشر فيقول: إنه حافل بالنذور ومن أمثال هذه الأشياء الغريبة وغيرها ولو كتب لهذه النذور جميعها النجاح لكان هذا القطب طبيبا بارعا من غير شك".

ولا يرى المصريون في هذا الوقت أي مجال لأن ينكر أحدهم هذه المعلومة، ويروى جمال ألغيطاني في كتابه (ملامح القاهرة في ألف سنة) ، نقلا عن الجبرتي أنه في شهر رمضان سنة 1123 هجرية جاء واعظ رومي وجلس في أحد المساجد. راح هذا الواعظ يهاجم ما يفعله المصريون من إيقاد شموع وقناديل قائلاً: إن ذلك كفر وهاجم وقوف الفقراء عند باب زويلة في ليالي رمضان، وقد تسبب الأمر في فتنة كبيرة في القاهرة.

ولعل جزءًا من مهابة هذه البوابة هي ارتباطها الدائم بالدماء، فلم يكن رسل التتار فقط، أو طومان باى هم من عُلقت رؤوسهم عليها، بل كانت بوابة الإعدام الأشهر في القاهرة.

ولعل أول أثر لاستخدام باب زويلة في عملية الإعدام ما ذكره ابن إياس في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" ، عام 694 هجرية، حين ركب جماعة من المماليك تحت الليل وهاجموا اصطبلات الناس وأخذوا خيولهم فلما طلع النهار أرسل الأمير كتبغا من قَبض على فاعل ذلك من المماليك، وقطع أيديهم .

وبعدما قطع أيديهم طاف بهم في القاهرة، حتى إذا ما وصلوا إلى باب زويلة صلب عددًا منهم على الباب، ثم أخذت مجموعة أخرى منهم فتم توسيطهم، والتوسيط هو قطع الجسد بالسيف إلى نصفين من البطن، ثم علقت أجسادهم الممزقة إلى نصفين على الباب.

وكانت عملية الإعدام تتم عند باب زويلة لزحامه الدائم، فيتجمع خلق كثيرون ليشاهدوها، وهو ربما ما خلق منها هذه الهيبة الرهيبة والخرافات والشائعات والحكايات الغريبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أقرا ايضا