----------------------------
كثيراً ما نواجه بسؤال: لماذا تهتم بالتراث القبطى وأنت مسلم بدلا من أن تهتم بالتراث الإسلامى مثلاً؟ و لماذا يظهر المسيحيون أمام المسلمين وكأنهم ينتمون للحضارة الغربية أكثر منهم للشرقية العربية؟ فكثير من الأسماء المسيحية تبدو غريبة على الثقافة العربية, كما أن تراثهم الدينى ولغته تبدو غريبة ظاهرياً على العربية.
وقد واجهنا عند عرض موضوع الندوة هجومًا شرسًا من بعض الفسابكة الشباب ، من قبيل اتهام منظمي الندوة بالعمل على القضاء على الإسلام ، وإهمال الأنشطة التي تتعلق بالإسلام وغيرها من التهم التي لم تسلم من التدني والإبتذال ، حيث اتهم أحدهم الفائمين بأمر الندوة بالـ " تعريص " الذي انتقل إلى الصعيد على حد قوله .
هذا أمر محزن جدًا أن تجد هذا المستوى من الحوار بين أوساط الشباب ، الذي يردد كالببغاوات من يسمع دون أن يحلل أو يقيم من يطلع عليه إن كان من هواة القراءة ، وتعاطي الثقافة .
فيما يلي نسلط الضوء على موضوع الندوة " تجليات التراث القبطي في مصر "
بداية يمكن تقسيم العصر القبطى فى مصر إلى مرحلتين أساسيتين:
الأولى: منذ دخول المسيحية فى القرن الأول الميلادى حتى الفتح الإسلامى فى القرن السابع الميلادى على يد عمرو بن العاص, مع ملاحظة أنه لم يكن باباوات الإسكندرية قبل الإسلام بالذات مجرد زعماء دينيين لكن كانوا قادة وطنيين لعبوا دوراً سياسياً مهما.
ومن خصائص هذه الفترة أنها:
نقلت عن التراث المصرى القديم الموروث باعتبارها معبراً وجسراً بين ثقافتين: وافدة حديثة وقديمة موروثة، وأبدعت وأضافت إلى الثقافة الموروثة ولم تستنسخها كما هى دون وعى.
كما تأثرت هذه المرحلة بالثقافات الوافدة كاليونانية والبيزنطية. ولكنها حافظت على الهوية والشخصية المصرية التى استمر كثير منها حتى اليوم, كالرهبنة القبطية ، والموسيقى القبطية التى عاشت فى الكنائس والأديرة ، واللغة القبطية التى استمرت لليوم فى الكنائس ، بالإضافة للثقافة الشعبية المصرية كالموالد والاحتفالات الدينية.
أما المرحلة الثانية فى الثقافة القبطية: فهى منذ الفتح الإسلامى حتى اليوم:
نأتي لموضوعنا أثر الثقافة القبطية على الحياة المصرية :
من حيث اللغة : اللغة العامية تأثرت كثيرًا بالثقافة القبطية فنجد أن اللغة العامية العامية المصرية, التى هى خليط فريد بين القبطية الموروثة (قواعدياً ولفظياً) مع العربية الوافدة: فالقبطية مثلاً لا تعرف الحروف اللسانية كالذال والثاء, لهذا أخضعت العامية المصرية اللغة العربية الوافدة للسان القبطي, فأصبحت حروف مثل «ذ» و«ث» تنطق «د» و «ت».. فصار «الثعبان» ينطق «تعبان» و «الذيل» ينطق " ديل " .
كما يجب أن نلفت لأمر مهم جداً وهو عدم ارتباط التراث بالعقيدة الدينية.. فاللغة والحضارة العربية أسبق من الدين الإسلامي, والإسلام والقرآن الكريم قد استخدم العربية فأكسبها قدسيتها وخلودها.
ومن إنجازات التراث القبطى المعماري: أن المنبر الإسلامى فى المساجد قد تأثر فى الأساس بإنبل الكنائس، وكذلك المئذنة هى فى الأصل منارة الكنيسة ذات الأجراس، وكذلك تأثر تخطيط المساجد (صحن أوسط يحيط به أروقة أو إيوانات وتتقدمه ظلة المحراب) يطابق ما يعرف بالتخطيط البازيليكى للكنائس.
الصناعات: كورق البردى والنسيج، كما اختص الأقباط واشتهروا بصناعة الكسوة الشريفة منذ عصر الفاطميين، كما أن اللواء القبطى رزق الفسخانى كان مكلفاً بقيادة آخر موكب للمحمل النبوى من مصر للكسوة الشريفة عام 1963, وسبقه فى هذا الضابط القبطى نجيب مليكة. كما اشتهر الأقباط فى العصر الإسلامى بتمكنهم فى مجالات صناعة الأخشاب، والمعادن.
إذن التراث القبطى مكون أساسى من التراث المصرى، فهو تراث مشترك بين المسلمين والمسيحيين , وإهماله يؤدى لفقدان روح التسامح فالمصريون جميعا يتفقون ويشتركون فى غالبية مكونات الوطن والهوية: فالعرق واحد ، والثقافة المشتركة واحدة، والأرض واحدة يعيش عليها الجميع, ولهذا هناك ضرورة تقديم التراث القبطى لأهلنا فى الإعلام والمدارس والجامعات باعتباره جزءا من التراث الوطنى المصرى.ولابد من التركيز على المشتركات الثقافية المصرية, كالشهور القبطية والأمثال الشعبية والاحتفالات الدينية والموالد وغيرها مما يجمع كل المصريين.واستحداث أقسام لدراسة القبطيات فى الجامعات المصرية على غرار ما تقوم به مكتبة الإسكندرية .وبهذا فقط يكون التراث وسيلة ناجعة للتصالح مع الذات فيما بين المصريين، لمواجهة التطرف والتعصب المقيت، ونزع فتيل الاحتقان الطائفى البغيض الذى يهدد مستقبلنا.ذ
الأربعاء، 10 مايو 2017
تجليات التراث القبطى فى مصر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
أقرا ايضا
-
أول تجربة للبث التلفزيوني بمصر ومراحل إنشاء التليفزيون المصرى… بدأ أول بث تليفزيونى مصرى فى مساء يوم 21 يوليو 1960 و بدأ الإرسال بالاحتفالا...
-
كتب \دكتور حمد حجى - تونس ثلاث قصص قصيرة جدا ================== حلم مؤجل ======= 1 - قَصِيدَةُ حُبٍّ ======= تربَّعتِ المرأة على القلب،...
-
جليلة رضا شاعرة من الزمن الجميل ولدت جليلة رضا في الإسكندرية في الحادي والثلاثين من ديسمبر سنة 1915. مصري وأم تركية، وكانت أصغر أخواتها. وكا...
-
حيّ بن يقظان لابن طفيل: حين تولد الفلسفة من العزلة تُعدّ رواية حيّ بن يقظان واحدة من أعظم الأعمال الفلسفية في التراث الإسلامي، كتبها الفيلسو...
-
الأفيون يوسف جوهر رائعة من روائع القصة القصيرة العربية أول مره ترفع على حلقات فى النت تدرس فى أقسام النقد بالجامعات المصرية والعربية ...
-
أختتمت امس الثلاثاء ٩/٥/٢٠١٧الادارة المركزية للتدريب واعداد القادة الثقافيين برئاسة الاستاذ هشام الإبياري من خلال الادارة العامة للدراسات و...
-
موعد مع التتويج .. الملاكم المصري كريم مبروك في مواجهة بطل أوروبا في محاولة جديدة للتفوق و التتويج يلتقي الملاكم المصري المقيم بالنمسا كريم...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق